قصة التحالف بين الإخوان والمعارضة
1- التحالف مع حزبَى العمل والأحرار
فى أوائل عام 1987 صدر حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نظام
الانتخابات بالقائمة النسبية المشروطة لما تَضمَّنه من إهدار حق الأفراد
فى الترشح مستقلين.. وبناء على ذلك تم حل مجلس الشعب المصرى الذى بدأ فصله
التشريعى عام 1984.. على أثر ذلك بدأ الإخوان والأحزاب المصرية
«المعارضة» آنذاك، الوفد، والعمل، والأحرار، والتجمع، والعربى الناصرى،
التحرك استعدادا لخوض الانتخابات النيابية الجديدة.
كان لدينا نحن الإخوان توجه لتكرار تجربة التنسيق مع حزب الوفد التى
جرت عام 1984.. وفعلا تم الاتصال بالسيد فؤاد سراج الدين زعيم حزب الوفد
الذى طلب منا إمهاله لدراسة الأمر.. لكنه فى اللحظات الأخيرة أبلغنا رده
بعدم قبول فكرة التنسيق.. فى ذلك الوقت طرح الأخ جابر رزق -رحمه الله-
الذى كان على صلة جيدة بالأستاذ عادل حسين -رحمه الله- الأمين العام لحزب
العمل آنذاك، فكرة التعاون مع حزب العمل ما دام حزب الوفد ليس لديه
استعداد للتعاون معنا، وهو يريد أن يخوض الانتخابات منفردا.. واتفقنا فى
مكتب الإرشاد على ذلك.. وتطور الأمر إلى تحالف يضمّ «الإخوان» و«العمل»
و«الأحرار».. وعلى الفور تشكلت لجنة من جانبنا ضمت الأستاذ المأمون
الهضيبى، والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، والمهندس أبو العلا ماضى، بهدف
التوافق مع ممثلى حزبى العمل والأحرار حول تحديد الدوائر التى ستخوض
الانتخابات فيها، والشخصيات التى سترشح من كل طرف، سواء على مستوى القوائم
أو على مستوى المقاعد الفردية، فضلا عن الاتفاق حول النقاط التى سيعمل فى
إطارها الجميع.
وفى حديث أدلى به المهندس إبراهيم شكرى -رحمه الله- رئيس حزب العمل إلى
مجلة «الوسط»، العدد 154 الصادر فى 9/1/1995، قال: «إن الإخوان تنظيم
ونحن تنظيم آخر، ولن نكون أبدا حزبا واحدا، ولن يندمج الإخوان مع حزب
العمل أو حزب العمل مع الإخوان، وهذا من حقهم ومن حقنا.. وفى كل أنحاء
العالم يمكن أن تشكل جبهات وأن تتفق الأحزاب على برنامج انتخابى معين، قد
لا يكون هو كل الطموح لأحد الأحزاب وقد يكون قريبا من طموحات بعضهم».
وأضاف قائلا: «فى انتخابات 1987 تكونت هذه الجبهة، ولم تكن من صنيعتى،
لأن حقيقة ما حدث أن أحزاب المعارضة أقرت برنامجا معينا فى اجتماع عُقد
بمركز شباب عابدين، وتحدث فيه جميع ممثلى الأحزاب، بمن فيهم الإخوان الذين
غابوا عن الاجتماع لكنهم أدلوا بوجهة نظرهم من خلال خطاب مكتوب من المرشد
ووافقوا على هذه المبادئ، وفكرت أننا فى انتخابات 1984 لم نحقق نجاحا
لوجود شرط الـ8٪، وحصلنا على أقل من تلك النسبة بقليل جدا، أى أكثر من 7٪
بينما حصل الوفد على 15٪ لكنه تَمثّل فى البرلمان بـ12٪ فقط نتيجة للنظام
الانتخابى».
ثم قال: «اقترحت أن تدخل الأحزاب الانتخابات فى قائمة واحدة باسم أحد
الأحزاب، وهو حزب الوفد، ولم تكن لدينا الحساسية من ذلك، لأنه كان للوفد
بالفعل أكثر من 50 مقعدا مع الإخوان داخل البرلمان.. وحينما تساءل بعضهم
عن طريقة مشاركة رؤساء أحزاب المعارضة وقادتها فى الانتخابات فى قوائم حزب
الوفد، كان الحل أن يشاركوا فى الانتخابات بالمنافسة على المقاعد الفردية
على أن تساندهم كل الأحزاب. والمسألة المهمة كانت أن تحقق المعارضة وجودا
كبيرا فى البرلمان لإحداث توازن أمام الحزب الوطنى، لكن، ويا للأسف
الشديد، لم يتحقق ذلك، إذ إننا اتفقنا على أن يتم التنسيق فى هذا الأمر
خلال أسبوع، وفى نهاية الأسبوع أعلن حزب الوفد أنه لن يشارك فى هذا
التحالف وأنه سيدخل الانتخابات بقائمة بمفرده.
وفى اليوم نفسه جاءنى مَن جاء من الإخوان ومعهم ممثلون لحزب الأحرار
وقالوا «نحن مستعدون لأن نخوض الانتخابات فى قائمة حزب العمل». وعرضت
الأمر على اللجنة العليا للحزب وهى أعلى سلطة فيه، ووافقَت، بل دعت إلى
توسيع التحالف ليشمل أحزاب المعارضة الأخرى. وفى ذلك الوقت لم يكن هناك
معارضة أخرى لها أهميتها سوى حزب التجمع، فعرضنا عليهم أن ينضموا إلى
التحالف. ولأننى أعلم الحساسيات عرضتُ عليهم أن يشاركوا فى قوائم حزب
العمل التى لا تحوى أسماء مرشحين من الإخوان، ولكنهم قالوا إنهم لم يدخلوا
المجلس لفترتين ومن الأفضل أن يدخلوا فى قائمة بمفردهم، رغم أن فرصتهم
ضعيفة، إلا أنهم رأوا أن ذلك يتيح لهم الفرصة لعرض مبادئهم والدعوة إليهم.
وهكذا، فإن دعوتى لم تكن إلى قيام تحالف إسلامى، بل إلى قيام تحالف ديمقراطى، أما ما تم فإننى أرى أن الله أراد بنا خيرا.
2- الترشح على المقعد الفردى:
فى مارس عام 1987 دُعيت لحضور مناقشة تحديد الشخصيات التى سيتم التوافق
حولها فى محافظة أسيوط، وذلك فى مقر مجلة الدعوة بحى التوفيقية
بالقاهرة.. ظللنا فى نقاش طويل، وأخذ وردّ، حول شخصيات القائمة التى سوف
يتم ترشيحها فى الدائرة الشمالية للمحافظة، حيث يوجد لنا حضور ملموس فيها،
وكانت تضم مراكز: أسيوط، وبندر أسيوط، ومنفلوط، والقوصية، وديروط.. لم
نرشح أحدا فى الدائرة الجنوبية لضعف حضورنا فيها، وكانت تضم مراكز: أبو
تيج، وصدفا، والغنايم، وأبنوب، وساحل سليم، والبدارى.
كان يخص كل دائرة من الدائرتين 12 مقعدا، 11 مقعدا على مستوى القائمة،
وواحد على المستوى الفردى.. تناقشنا طويلا من الساعة العاشرة مساء حتى
قبيل فجر اليوم التالى.. كان هناك إصرار من المهندس إبراهيم شكرى على
ضرورة وضع الأستاذ جمال أسعد عبد الملاك، على رأس القائمة ويليه كاتب هذه
السطور.. رفضنا نحن الإخوان ذلك لعدة اعتبارات:
أولها: أن الأستاذ جمال أسعد عبد الملاك لم يكن معروفا آنذاك إلا فى مركز القوصية فقط، والدائرة واسعة وتشمل أربعة مراكز أخرى.
ثانيها: أن كاتب هذه السطور من الشخصيات العامة المعروفة على مستوى
المراكز كلها، وله حضوره وقبوله، فهو أستاذ جامعى وداعية ورئيس لمجلس
إدارة نادى أعضاء هيئة تدريس جامعة أسيوط.
ثالثها: أن المزاج الإسلامى العام فى هذه المنطقة من الصعب عليه أن يتقبل شخصية مسيحية على رأس القائمة، وقد يؤدى هذا إلى إسقاطها.
رابعها: أن قائمة الحزب الوطنى فى هذه الدائرة بالذات قوية إلى حد ما، وليس من السهل هزيمتها فى هذه المعركة الانتخابية.
أمام إصرار المهندس إبراهيم شكرى، انتقلت أنا واللجنة الخاصة بنا إلى
حجرة أخرى لمناقشة الأمر، وتم اقتراح أن يترك الأستاذ جمال أسعد عبد
الملاك على رأس القائمة، وأترشح أنا على المقعد الفردى.. كانت الفكرة
مرضية للطرفين، لكنها كانت مغامرة خطرة وغير محسوبة.. فالدائرة واسعة جدا،
والفترة المحددة للدعاية الانتخابية ضيقة للغاية.. وقد وصف الكاتب أحمد
بهاء الدين أيامها المرشحين للمقعد الفردى بأنهم مجانين وذلك لاستحالة
تمكنهم من المرور على جماهير الدائرة فى أثناء الدعاية.. إذ بحسبة بسيطة
يلزم المرشح فى هذه الفترة أن لا ينام مطلقا، كما أنه متاح له ثانية واحدة
فقط كى يتكلم مع الناس، فرادى وجماعات!
شخصيا وافقت على الفكرة بعد جهد.. وغادرت مقر مجلة الدعوة بالتوفيقية
بعد صلاة الفجر إلى محطة السكة الحديد حيث ركبت قطار السابعة صباحا متجها
إلى أسيوط.. وصلت إلى محطة أسيوط عند الظهر، وكان فى انتظارى بعض الإخوان
الذين أوصيتهم أن يمروا على إخوان المكتب الإدارى للاجتماع بهم فى تلك
الليلة.. وحدث فعلا.. طلبت منهم -لصعوبة المهمة- أن يصلى كل واحد منا
ركعتين فى وقت السَّحَر، وأن يلحّ فى الدعاء بالتوفيق، وضرورة أن نصفّى ما
بيننا من شحناء حتى نهيئ فرصة القبول.. وقد كان.. اجتمعنا فى الليلة
التالية لنبحث ما هو مطلوب فى هذه الفترة المحدودة.
3- خطة التحرك:
وضعنا خطة التحرك، على المستوى الفردى والمستوى العام.. كان التوفيق
حليفنا خصوصا فى ما يتعلق بالنواحى والإجراءات الإدارية، فلم يكن هناك أى
عوائق تُذكَر، ومرت كلها بسلاسة ويسر على غير العادة.
بدأت فى الاتصال بالإخوة المتعاطفين والمحبين لإبلاغهم بترشحى.. وتم
الترتيب لزيارات الشخصيات العامة والمؤثرة، سواء فى أماكن عملها أو
بيوتها.. كما تم الترتيب لعقد لقاءات جماهيرية فى أماكن متفرقة بجميع
مراكز الدائرة وكثير من قراها.. استلزم التحرك أيضا حضور معظم السرادقات
التى كانت تقام للعزاء، كما تطلب أيضا زيارة المصالح الحكومية للقاء
الموظفين والعاملين بها، وهكذا.
فى إحدى الليالى اتصل بى الصديق العزيز الدكتور عبد الله محمد محمود
سكرتير عامّ نادى أعضاء هيئة التدريس والأستاذ بقسم الكيمياء بكلية
العلوم، ليخطرنى بضرورة حضور سرادق عزاء لأحد المتوفين وتقديم واجب العزاء
لأسرته بحى الوليدية شرق مدينة أسيوط.. قمت من فورى وذهبت إلى سرادق
العزاء، وهناك طلب منى البعض إلقاء كلمة ذكرى بين الفواصل القرآنية، فلم
أتأخر.. وحين جاء الوقت تكلمت فى السرادق حول عدة محاور، أولها: حديث عن
الموت كحقيقة، ثانيها: دعوة لأهل وأسرة وأقرباء المتوفى بالصبر والثبات
وتذكير بما أعده الله تعالى للصابرين من عظيم الأجر والثواب، ثالثها:
الدعاء للمتوفى بواسع الرحمة والمغفرة وأن يتقبله الله تعالى وأمواتنا فى
الصالحين، رابعها: التذكير بالآخرة والعمل لها بفعل الخيرات والإقبال على
الطاعات واهتبال الفرصة قبل فوات الأوان، وكيف كان بعض السلف الصالح يقع
مغشيا عليه لمجرد أن يرى لهب شمعة، لأنه يذكّره بنار الآخرة وما أعده الله
من عذاب للعصاة والمذنبين.. التقيت بعد ذلك أهالى المتوفى وقدمت لهم
عزائى، وجرى حديث عن الانتخابات، وتم أخذ تعهد بالاهتمام بحى الوليدية حال
قدَّر الله نجاحنا.
استأذنت فى الانصراف وأخبرت الصديق الدكتور عبد الله محمد محمود بأنى
ذاهب إلى مديرية الأمن، حيث علمت أن الرموز الانتخابية للمرشحين تم
تعليقها فى كشوف بالمديرية، وسوف أعود إلى النادى بعدها.. المهم، ذهبت إلى
المديرية ووجدت أن عدد المرشحين على المقعد الفردى فى الدائرة الشمالية
بلغ 48 شخصا، ورأيت الرمز الخاص بى هو الشمعة.. عدت إلى النادى فوجدت
الدكتور عبد الله فى انتظارى.. سألنى عن الرمز الانتخابى، فقلت الشمعة..
قال بدهشة واستغراب: غير معقول! قلت: ولم؟ قال: هذا توافق عجيب.. وهو مبشر
بخير إن شاء الله.. لقد كان حديثك منذ ساعة فى سرادق العزاء حول الشمعة..
هل نسيت؟ قلت: لا.. قال: هذه كرامة.. قلت: لا تبالغ.
0 التعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق من فضلك