هل توجد دولة دينية في تاريخ الرسالات
السماوية الثلاث؟ هل فتح
باب الاجتهاد للمسلمين في عهد الرسول؟
ترددت عبارات الحكم بإسم الدين و
تأسيس دولة دينية تقوم على اساس الحكم بما انزل الله تعالى وعرف مصطلح ما يسمى بالحاكمية.و
توسع هذا المصطلح و تمدد إلى ان اصبح يطالب – من يطالب – ان تخضع كل نواحي الحياة
- السياسية و الحياتية و العسكرية و كل شئ
- إلى الحرام و الحلال كل شئ يرد إلى
الحلال و الحرام. و حتى لا اطيل ، معا نستعرض بعض الحقائق التاريخية الثابتة فيما
يخص نزول الاديان السماوية الثلاث و علاقتهم بالسطلة الدينية و تكوين الدولة.
أولا : اليهودية:- أنزلت اليهيودية على سيدنا
موسى عليه السلام ، و هي ديانة أنزلت تخص أهل بني اسرائيل و حدهم دون غيرهم و قد
عرف عنهم كما اشار الاستاذ العقاد في كتابه عبقرية محمد "كان ابناؤهم يكرهون
ان يشاركون غيرهم فيها (يقصد الديانة) كما يكره اصحاب النسب الواحد ان يشاركهم
غيرهم فيه" لذا لم يرسل الله موسى إلى تكوين دولة تحكم بالدين و الثابت ان
موسى عليه السلام لم يتطرق ابدا إلى فكرة تكوين دولة بلى كان يدعو فرعون إلى
الإيمان او تركه هو و من معه و شأنهم و لم يدعوه للتنازل عن الحكم حتى يحل محله
حاكما بإسم الدين..هذه واحدة.
ثانيا : المسيحية:- أنزلت على سيدنا المسيح
عليه السلام في بلاد محكومة أيضا و في ظروف كانت اغلبها كذلك، فلم تطرق الديانة
أبدا لو ضح اساس للحكم و بناء الدولة – فضلا عن عدم هدم الدولة القائمة – إنما
كانت المسيحية ديانة أخلاقية تدعو إلى السلام و الحب و التسامح و فيما إلى ذلك من
هذه القيم السامية و لم تتكلم أيضا عن الحلال و الحرام وأو حتى شرائع دينية ببساطة
لأنه كانت هناك قوانين و حكام و سياسات قائمة (سياسية ، دنيوية ، إنسانية) ... هذا
الثانية.
ثالثا : الإسلام :- أما الدين الثالث و هو
الإسلام الذي أنزل على سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام، أنزل في الجزيرة العربية
حيث القبائل و العشائر و اللا تنظيم و اللا دولة و اللا قانون لا بالمفهوم الحديث
او حتى القديم ، إنما كانت أعراف و عادات و تقاليد فقط صحراء ليس فيها تنظيم يفعل
من يريد ان يفعل اي شئ في حق اي احد شرا او خيرا دون قانون منظم.لذا و بعد فتح مكة
أقيمت الدولة يحكمها الرسول لها جيش و لها قوانين منظمة و سياسات حاكمة. تمددت
الدولة داخل هذا النطاق الجغرافي الصحراوي الغير محكوم فقط لكنها لم تتمددت و لم ترغب
ابدا ان تمتد إلى دولة قائمة بالفعل للإطاحة بنظامها الحاكم بل كانت تمد يد الدعوة فقط و إلى الحاكم مباشرة لتنظيم
العملية الدعوية و إرسال السفراء إليهم لدعوته و مواطنيه إلى الإسلام دون استخدام
العصى العسكرية إلا لصد العدوان لا نشر الدين أبدا و الامثله
في ذلك كثير.خاطب الرسول عليه الصلاة و السلام كبار الحكام من قيصر و كسرى و
المقوقس باخطابات غاية في الرقي اللغوي و السياسي و حتى وفاته لم يدعو ابدا إلى
تفكيك دولة او الاغارة إلا لصد عدوان قادم و هذا ايضا حتى وفاته عليه الصلاة و
السلام.
و الشاهد بعد الاستعراض البسيط فيمن الظاهر
ان سنة الله تعالى في الارض هي الحكم بما يتوافق مع كل مكان و زمان دون تعقيد أو
تسلط راي يحكم بإسمه تعالى بل كل حسب واقعه و زمانه و مكانه طالما لم يمس الدين و
الإيمان أما بعد ذلك فالباب مفتوح لتنظيم الدول بالاجتهاد البشري العقلاني.
أما
عن قوله تعالى "إِنِ
الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ" فأحيلكم
إلى ما روى عن رسول الله عليه الصلاة والسلام "وإذا حاصرت أهل حصن ، فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه . فلا
تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه . ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك . فإنكم ، أن
تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم ، أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله . وإذا حاصرت
أهل حصن ، فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله ، فلا تنزلهم على حكم الله . ولكن
أنزلهم على حكمك . فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا"
كانت هذه وصيته عليه و
الصلاة والسلام إلى الولاة و قادة الجيش.حتى في عصره و حياته و وجوده و وحي الله
تعالى له لم يعط تفويض إلى التحدث باسم الله و لا بأسمه في الأمور السياسية و
العسكرية و النظامية و ترك الاجتهاد و اراد ان يعمل عقل اصحابه إلى التفكر و
الاستنباط و التعامل مع اللحظة الدنيوية و السياسية فيما يتلاءم مع اللحظة و
الزمان و المكان...أين الدولة الدينية هناك؟
حتى في حياته صلى الله عليه و سلم؟!
-نعم, حتى في حياته صلى الله عليه و سلم!!
------------------------------------------
الحاكمية:- مصحطلح استعمل بداية اثناء موقعة الصفين الشهيرة، و استخدم
بعد ذلك زريعة لتكفير الحكام و المجتمعات المسلمة و غيرها.